مجموعة فكرية من طلبة الصوماليين المقيمين في السودان


تأملات في فكر مالك بن نبي (1)

0 التعليقات

مع بداية القرن الثاني عشر الهجري توقف الإنتاج الفكري في العالم الإسلامي وساد التقليد والجمود والتشبث، فضعفت الدولة وصار نجمها نحو الأفول، وحينها قام العنصر التركي المتمثل بالدولة السلجوقية والخلافة العثمانية بحماية هيكل الأمة ووحدة الأراضي الإسلامية، وطرد كثير من القوات الغربية عن العالم الإسلامي، بعد أن أصاب الجسم الإسلامي هزل وتعب خلال ستة قرون من الشحن الفكري والكثافة الفكرية والوفرة من العقائد المادية والحضارية.

وكما يقول ابن خلدون في مقدمته : "إن الدولة تنشأ في البذور اولا ثم تأتي الحضارة فتتراخى وتنموا ثم تضعف قواها فتحتاج الى عنصر عسكري أجنبي فتتقوى به ثم ينقضون عليها ويشكلون دولة أخر"، واستمر الوضع على هذه الحالة لبضعة قرون فظهر من خلال هذه الفترة بعض المجددين رغم إختلاف تصورهم في العلاج والمخرج، فمنهم من فكر في الإصلاح السياسي كالأفغاني والكواكبي، ومنهم من فكر في الإصلاح العقدي كالشيخ محمد بن عبدالوهاب ومنهم من فضل الإصلاح التعليمي والثقافي كأحمد خان في الهند ومنهم من فكر في الإصلاح الشمولي والرجوع الى مرجعية الإسلام كالإمام حسن البنا والشيخ أبو أعلى المودودي أو الرجوع إلى مرجعية الغرب كـــــ طه حسين وسلامة موسى.

وحاول الكل الإجابة على: مالذي أوصلنا الى هذا الحال؟ وكيف نخرج من هذه الأزمة ؟ كما ظهر في تلك الفترة عباقرة وكوادر من كوادر الفكر الإسلامي، قاموا بمراجعة كثير من المفاهيم الموروثة، وساهموا في إثراء المكتبة الإسلامية، حتى قال فيه الدكتور العماد الطالبي "كان يتميز بفكر حاد وذهن نفاد، يعافي ويفكر، وفكره فكر حيٌ تغلّب عليه الصورة العقلية، لاالصورة اللفظية فيما يتكلم وفيما يكتب، ولم يتزلزل في يوم ولم يشعر بأن عليه أن يترك رسالته ويلقي بعبئها، وشخصيته شخصية أخلاقية ملتزمة بالأخلاق الإسلامية الصافية" وهو المفكر الجزائري مالك بن نبي رحمه الله.

ولد المفكر في مدينة قسنطينة في شرق الجزائر بعام 1905م من أسرة فقيرة من حيث المال غنية بالعلم والمعرفة، وكانت فترة ولادته فترة زمنية حاسمة كما يقول؛ إذ تمكن الإتصال بالماضي عن طريق آخر من بقي من شهوده والإظلال على المستقبل من رواده، كما تزامن ميلاده في هذه المرحلة الحرجة التي بسّط فيها الإحتلال نفوذه في العالم الإسلامي، وتم تحويل كثير من المساجد الى كنائس كالمسجد الكبير "كتشاوة" في العاصمة حتى قال الكاردينال لافيجراي " علينا أن نجعل هذه الأرض مهيأة لدولة مسيحية تضاء أنحاءها بنور منبع وحيها الإنجيل... تلك هي رسالتنا" !.

كما أكد هذا الأمر الجنرال العام بيجوا إثر تحويل جامع صالح باي في قسنطينة إلى كنيسة حيث قال : "إن آخر أيام الإسلام قد دنت وفي خلال عشرين عاما لن يكون لهذه البلاد إله غير المسيح"،  هذا جعل مالك بن نبي يعاني من قساوة الإحتلال وبطشه وشدّته كما تركت تلك الأحداث في ذهنه أثرا عظيما، والطريقة الغير الشرعية التي إحتل بها الجيش الإستعماري بلده، وكيف كان الرجال يحاولون إنقاد شرفهم؛ بإخراج نسائهم وبناتهم من أعالي سور المدينة ومن جهة الوادي أيضا بواسطة الحبال فكانت منهن تنجوا ومنهن تهوي الى الوادي السحيق، كما أغلق معظم المدارس الأهلية، ومدارس القرآن؛ لإرساء سياسة التجهيل وفتح مدارس فرنسية؛ لنشر ثقافته ولغته وتغيير هوية المجتمع والعمل على إفقار المجتمع؛ ليسهل تغلغله وتأثيره.

 ومع هذا ظل المفكر مالك يدرس ويتعلم القرآن كما كان يركز الدراسة الأكاديمية وبعد أن أكملها توجه الى فرنسا وأراد الإلتحاق بكلية الحقوق، وتم تسجيله في معهد الدراسات الشرقية ووفّق في إجتياز الإمتحان الكتابي ولكنه لم يُوفّق في إجتياز المقابلة الشفوية؛ لأن الدخول في المعهد كان يخضع لإجراءات عنصرية وهو يقول في مثل هذا الصدد: "اذن الأمر واضح فالأمور تتعدى العلم والمعرفة، كان من يقوم بتلك المقابلة مختص بعلم النفس وكانت الأسئلة دقيقة بحيث تمكنهم من معرفة قناعات هؤلاء الطلبة"؛ فوجدوا في مالك بن نبي الشاب الذي يحمل قضايا وهموم أمته ويمتلك طموحاتا كبيرة تتجاوز الحدود التي رسمها له الإستعمار؛ لهذا منع من تحقيق طموحه لذالك كان عليه الإكتفاء بالتسجيل في المعهد اللاسلكي قسم هندسة الكهرباء.

كان خلال وجوده في فرنسا عندما يخرج في الليل ويرى مظاهر الحياة الغربية يصطدم ويهتز؛ الا أن هذا الأمر ترك في نفسه أمرا إيجابيا، فولدت لديه أن الدين جزء لايتجزأ من المشروع الحضاري، ثم في تلك الفترة قرأ كل ماوقع بين يديه؛ حيث حاول دفن همومه في الكتب فقرأ عن الفكر وعن السياسة ومسح الأرض وحتى عن تربية النحل، فكانت مطالعته موسوعية كأنه اراد أن يكفي أمته كلما تخلت عنه من معرفة في شتى المجالات المختلفة، كما ظهر في تلك الفترة معاهدة السايكس بيكوا فكانت كل هذه حقيبة بن نبي وقاعة مختبره في صياغة مشروعه حول مشكلات الحضارة.

كان مشروعه عالميا لاتحدده الأقطار والدول حيث كان يؤمن بأن مشكلة العالم الإسلامي واحدة وحاول أن يعطي رؤيته الفكرية خارج الدائرة التي رسمها الإحتلال، فحاول الإجابة على عدة أسئلة أهمها :
1- كيف نبني منهجية إسلامية مقتبسة من القرآن؟
2- كيف نعطي أفكارنا أقصى مايمكن من الفعالية؟.
3- ماهي الوسائل التي يستخدمها الإحتلال لنقص فاعلية الأمة؟
4-  مشكلة الإستعمار والقابلية للإستعمار؟




كتبه الأخ: أحمد صديق\ عضو في فريق رواد الوعي

واصفرت شجرة الفطرة!.

0 التعليقات


اطلع الصحابي على أعرابيين يتشاجران في بئر ماء،  فيقول أحدهما أنا أوجدها،  والآخر يقول وأنا فطرتها!!! إذا الفطرة تحدث في غير مثال سابق!.
المواطنة مبدأ إنساني قبل أن تكون تطبيق قانوني،  فليس الإنسان يكاد يفارق فطرته التي جبلت في طبعه،  وليس من المنطق أن تسطر في المتون والقرطاس محررات تأمر إزائها إبتداء!، كلا؛ أن ينفصل الجسد عن الروح فيأتي الجسد ليغدي الروح!،  ولا الروح لتلهم الجسد في تناول المنافع لأنها من باب العدم!،  والعدم لا يتصور حدوثه ووقوعه بخلاف علامة الصفر.
حسنا،  فالصفر عند الفرد روحا وجسدا تقرر فطرية مجبولة ومنطبعة على الإنسان، ولكنها بحاجة ماسة إلى من يهديها ويصوبها دوما!، فلزم من ذلك ضرورة الرسالة السماوية من طريق الوحي الإلهي،  ليقترب إلى أبواب السماء وهو ساجد على تراب الأرض!، وليعمر بمقتضاها في مجال الأرض
من السماء يأتي النور الفياض الذي يخاطب الروح وفي الأرض تنعم بالإشارات الربانية،  فصارت البشرية في صف توحيد مصدرية الشريعة والاستسلام لمفادها،  ثم الاجتهاد في خيارات التهذيب لأمره وأشكال التعمير،  فتهيم البشرية إلى الله رب العالمين وذلك لدافع الفطرة ولمعرفة الأسرار التي أودعها الله في الكون فتشرع الدين في سبيل تقرير واستجابة دافع الفطرة من أجل أن يعلو الإنسان من سقف الإنتماءات المختلفة،  ويرتبط بحبل الله وتحيى روحه بآي الله المنظور والمقروء
ثم يقنن وطنيته وإخلاصه للوطن إزاء تلك الإشارات الربانية،  فالإنسانية تقتضي الكرامة، والمواطنة في شكلها التأطيري تتضمن الكرامة والشرف،  ولا تتحقق الكرامة الكاملة إلا بالرسالة الخالدة،  وكما أن الرسالة الخالدة تشبع وتغدي ما هو مفطور في وجدان الإنسان فليس هناك ما يستدعي استفاضة الأحكام الصريحة،  بل تكون مساحة الاجتهاد أكبر بكثير مما هو منطوق وصريح من الأحكام.
من هنا –ياسادتي- كتاب الله هو الرسالة العظيمة للإنسان، تدبر بين يديك كتاب رب العالمين!، تأمل معي أيها القارئ الفاضل لفظة العالمين _الوارد في سورة الفاتحة والتي هي أم الكتاب _ اسم لملحق الجمع المذكر السالم الذي لا يقع إلا على ذوات العاقل،  فهل الحجر والشجر من ذوات العقول؟!  ومتى أصبحت المحيطات والبحار والخلجان من عالم العقول؟  ثم أنى لنا أن نحسب الدواب في عداد العقلاء ؟! يا رب وقد وردت الآية في معرض العموم،  تعم كل ما في الأكوان،  ما تعرفه وما تدركه وما تحس به وما أنت جاهل به وما هو محجوب عنك!!  إني في حيرة من أمري،  وربما أنت أدركت الجواب ووقفت عندها،  فأعني بفك الطلاسيم عن كنه (العالمين).
لنعد معا في تدبر آي القرآن،  وعسانا أن نجد فيها ما يفسرها بأحسن تفسير،  ودعني أقلب صفحاته وأقف عند السطور والخطوط، ،،،،  الآن! وقد أقف عند رأس آية (فأنطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبو أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض...) الآية، إن في الآية دلالة نصية واضحة تؤكد أن للجدار إرادة.... أو للجدار الجامد السابك إرادة تريد؟،  إرادة تنقض؟،  إرادة تستقيم؟!  أو للجدار وعاء استقبالي وجداني؟. 
كنت أحسب من ذي قبل أن الإرادة من شروط العاقل الناطق ولا شيء لسواه،  وذلك مبلغ علمي! وطالما امتدت الإرادة وبسطت ظلها على العاقل الناطق ؛ جعلت الإنسان وحده صاحب إرادة فقط،  وكأني أحصر العالمين بالإنسان!  يا ليت شعري!. 
تعال أنظر الآيات المؤكدة في إثبات الإرادة لسائر الخلائق،  انبهرت أن رأيت قوله تعالى (ولكن لا تفقهون تسبيحهم)  أهذه الزقازيق التي لا أفقهها تنضم مع وحداتها التسبيح والتحميد؟ أمن صوت العصافير جمل وتراكيب وحروف تسدي للبارئ الحمد عبادة له؟!  وما طوي عنا كثير وأكثر،  وحق علي أن أقرأ وأتذوق (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا). 
إن الكون وغوره العميق قائم بالحق المبين،  فوجب الحمد لرب العالمين على اختلاف سلوكياتهم،  والذي ورد في القرآن تسبيحه لرب العالمين،  مثل الطيور لا يزال باقيا _وسيبقى_ على أصله وفطرته،  فأين الإنسان إذا ؟ الذي يتأطر على غير فطرياته المقررة سابقا  ؛فطرية التعلق بالإشارة الإلهية وفطرية عمران الأرض! ما له يتشبث بالغواية الإبليسية والصوت الشيطاني والتي تعتقد قدسية المادة وتقوم الأشياء بقيمتها المادية!  يؤمن بمادة النطفة التي خلقت من الإنسان،  ويؤمن بشجرة النسب اعتقادا وممارسة،  ويؤمن مادة القومية!! كل هذا وذاك من باب القلب للموازين،  لأن كل أركان الإيمان المادية!  من باب الموجدة،  والفطرة من باب الإيمان المودع بحقائقه في كل قلب بشر! ،  وعليه ؛ فلا بد من الموجدة أن تتأسس على أعتاب الحقائق وسر الفطرة الهادية بأمر الله والتي تحتاج إلى ما يكملها.
واستفتحت بالمواطنة لأنها المجال الذي يحتفظ الإنسان مبادئه السامية،  ولهذا نستبعد ما يتبادر إلى الذهن عند إطلاق ألفاظ المواطنة وما شاكلها الوافدة من معجم أسامي


إعداد الأخ: عبدالقادر بن الشيخ آدم

كافة الحقوق محفوظة ©مدونة رواد الوعي